ثلاثية غرناطة
إذا كنت تبحث عن رواية تجمع بين التاريخ، العاطفة، والتأمل العميق في مصير الشعوب، فإن "ثلاثية غرناطة" ستكون تجربة استثنائية لا تُنسى.
ثلاثية غرناطة هي تحفة أدبية للكاتبة المصرية رضوى عاشور، تأخذك في رحلة مؤثرة إلى قلب الأندلس بعد سقوطها في يد الإسبان عام 1492، من خلال حكاية عائلة أندلسية تكافح للحفاظ على هويتها ودينها في مواجهة القمع الوحشي للاحتلال الإسباني.
تقدم الرواية تصويراً بديعاً لصمود الإنسان أمام الظلم والقهر، بأسلوب سردي ساحر، وتتناول الرواية مسألة الصراع بين البقاء والرحيل، والمقاومة في مواجهة محاولات الطمس الديني والثقافي.
في رحلة إلى الفردوس المفقود، نعود بالزمن قروناً إلى الوراء مع رواية "ثلاثية غرناطة" للكاتبة المصرية الراحلة رضوى عاشور، وهي تتألف من ثلاث روايات: غرناطة، مريمة، الرحيل.
تدور أحداث هذه الملحمة التاريخية في مملكة غرناطة، آخر معاقل المسلمين في الأندلس، وتبدأ في عام 1491 مع توقيع المعاهدة التي تنازل بموجبها أبو عبد الله محمد الصغير (الثاني عشر)، آخر ملوك غرناطة، عن ملكه لملكي قشتالة وأراجون. تتابع الرواية حياة عائلة أندلسية عايشت تلك الفترة على مدار عدة أجيال، قرابة 150 عاماً، مستعرضةً ما جرى من أحداث ومشاعر عميقة لامست وجدان كل من قرأها.
الجزء الأول: غرناطة
تبدأ الرواية عام 1491، وذلك في الأيام الأخيرة قبل سقوط غرناطة، حيث تعيش أسرة أبو جعفر الأندلسية، والتي تتكون من زوجته وحفيديه حسن وسليمة، وذلك تحت حكم الملكين الكاثوليكيين، إيزابيلا وفرديناند، بعد توقيع معاهدة الاستسلام التي تعهدت بحماية المسلمين والحفاظ على حقوقهم. وسنرى في هذا الجزء كيف تم نقض هذه المعاهدة سريعًا، وكيف بدأت حملات القمع، ومصادرة الكتب العربية، ومنع المسلمين من ممارسة طقوسهم الدينية.
تُركز أحداث الجزء الأول من الثُلاثية على أحوال الأسر الأندلسية مع الواقع الجديد الذي يُريد تمزيق ذلك المجتمع المسلم بكامله، محاولًا محو هويته الدينية والثقافية.
الجزء الثاني: مريمة
يدور الجزء الثاني من الثلاثية حول الشخصية المحورية مريمة، ابنة سعد زوج سَليمة، والتي تواجه تحديات جديدة في ظل القمع المتزايد ضد المُسلمين في غرناطة. تصوّر الرواية حياة مريمة وهي تحاول الحفاظ على ما تبقى من تراثها وعائلتها، وسط القيود الصارمة التي تفرضها السلطات المُحتلّة.
يُصوّر هذا الجزء كيف شَهِدت مريمة التغيرات الرهيبة التي وقعت بغرناطة، وكيف حاولت حماية أفراد عائلتها من الاندثار الثقافي والديني، فمريمة هنا تمثل رمز الصمود والإصرار على الهوية في ظل القهر الذي عاشته المدينة وأهلها.
الجزء الثالث: الرحيل
في الجزء الثالث والأخير من الرواية، نصل إلى نهاية مسار العائلة، حيث تتعرض للمزيد من الضغوط والظروف القاسية التي تجبرها على التفكير في الرحيل عن غرناطة، فالصراعات تزداد شدة مع السلطات، ويتم تصعيد القمع حتى يصل إلى مرحلة يُجبر فيها المسلمون على التخلي عن دينهم أو مغادرة البلاد. تُواجه العائلة الآن القرار الأصعب: هل يرحلون ويتركون الأندلس، أم يظلون ويحاولون النجاة على الرغم من فقدان كل شيء تقريباً؟
الجزء الأخير من الرواية يعكس بشكل واضح مأساة التهجير والانفصال عن الوطن والهوية، كما يصور الضعف البشري والأمل المتبقي لدى الشخصيات التي تظل متمسكة ببصيص من الإنسانية.
تُعتبر رواية ثلاثية غرناطة، شهادة على قوة الإرادة الإنسانية في مواجهة الظلم، وعلى حتمية الصراع بين التكيف مع الظروف القاسية والتمسك بالجذور.
الإقتباسات
“يُقررون عليه الرحيل، يسحبون الأرضَ من تحت قدميه، ولم تكن الأرضُ بساطًا اشتراه من السوق، فاصل في ثمنه ثم مد يده إلى جيبه ودفع المطلوب فيه، وعاد يحمله إلى داره، وبسطه وتربع عليه فى اغتباط. لم تكن بساطًا بل أرضًا، ترابًا، زرع فيه عمره وعروق الزيتون، فما الذي يتبقى من العمرِ بعد الاقتلاع؟ في المسا يغلقُ باب الدارِ عليه وعلى الحنين. تأتيه غرناطة فيقولُ يا غربتي! راحت غرناطة. يسحبونها من تحت قدميه، ولم تكن بساطًا اشتراهُ من سوق بالنسية الكبير.“
“ تبدو المصائب كبيرة تقبض الروح، ثم يأتي ما هو أعتى وأشد، فيصغر ما بدا كبيرًا، وينكمش متقلصًا في زاوية من القلب و الحشا.“
“ ليس الجحيم أن تصطلي بنار جهنم، بل بنار قلبك وهو مروع، مضطرب وواهن، ولأنّ الكلام، كل الكلام يجرحك.“
“ -الله أكبر مسلمون يستبدون بالمسلمين؟! - استغربت مثلكم عندما وجدت أهل مصر يكرهون حكامهم كما نكره نحن حكامنا الإسبان، واستغربت أكثر عندما رأيت بعيني وسمعت كيف يشير الحكام إلى الرجال من أهل البلاد فيقول: مصري فلاح، يقولها بتعالٍ و ازدراء، وكأنّه واحد من الإسبان يشير لواحد منا بـ (عربي كلب).“
“ الزمن يجلو الذاكرة كأنّه الماء، تغمر الذهب فيه يومًا أو ألف عامٍ فتجده في قاع النهر يلتمع.“
“ غرناطة العرب صارت كالغانية، ترقص وتتعهّر إرضاءً لأسيادها لأنها خائفة.“
“ والقلب في بيت القلب يعتصر كأنما تقبضه يد الموت ويموت. يحدقون فيك ولا يرف لهم جفن، يلقون بك في قبو وحدك لا تقدر حتى على البكاء، وعندما تقدر تذرف الدمع الغزير، ليس لأن البدن يوجع، ولكنك تبكي على تلك المزق الآدمية التي تعرف أنها أنت. تبكي على حالك وعلى هجر حبيب في الزرقاء العالية، تركك وحدك تصطلي بنار لم يعد الله بها قومه الصالحين.“
“ وكأنّ همًّا واحدًا لا يكفي، أو كأنّ الهموم تأتنس بعضها ببعضٍ، فلا تنزل على الناس إلا معًا.“
“ لم يعد هذا زمان العلماء و الفقهاء يا أبا جعفر، ولا زمان النّسّاخين. اللغة القشتالية قادمة لا محالة، والعربية لم تعد بضاعة رابحة.“
“ تلتهم النّار الكتب، تُفحِّم أطرافها، تُجفف أوراقها، تلتف الورقة حول نفسها كأنما تدرأ النار عنها ولا جدوى، فالنّار تصيب الكتب، وتأكل وتلتهم وتأتي عليها سطرًا سطرًا وورقةً ورقةً وكتابًا بعد كتاب.“
“ كيف يقول المرسوم أنّ على نساء غرناطة أن يكشفن وجوههن؟! ونساء المدينة سافرات منذ أجيال، حتى جدتي لم تكن تغطي وجهها، ونساء القرى محجبات، فأي أذى يلحقه حجابهن بالملك؟!“
“ ذهب سعد، وراح نعيم يتأمل ذلك الأمر العجيب بإغلاق الحمّامات. أن يقاتلك عدوك مفهوم، ولكن ما الحكمة في إغلاق حمّام أو إجبار الأهالي على التنصر؟ القشتاليون قوم غريبون مختالو العقول على ما يبدو، ولكن ما السبب في اختلال عقولهم؟ ألم تلدهم امهاتهم أطفال أصحاء عاديين مثل باقي الخلق؟ كيف تفسد عقولهم فيأتون بهذه الأفعال الغريبة؟ فكّر نعيم في ذلك، ولم يجد إجابة شافية. لعلّه البرد القارس في الشمال يُجمد جزءًا من رؤوسهم فلا يسري الدم فيه فيموت أو يفسد، أو ربما هو لحم الخنزير الذي يُسرفون في أكله فيصيبهم بالخبل؟“
“ تقول أمها: في سليمة من البعوض صفتان: الزن وعدم المنعة! فتضحك أم جعفر وتقول: إنّها كالملكة بِلقيس، تريد أن تَأمٌر فتٌطاع ولا يملك أحد أن يَأمُرها بشيء.“
“ رأوا الأمراء يتنصّرون، سعد ونصر ولدا السلطان أبي الحسن، سميا نفسيهما الدوق فرناندو دي غرانادا والدوق خوان دي غرانادا. وزاد سعد على أخيه درجة، فالتحق بجيش قشتالة مقاتلًا في صفوفه. استرح في قبرك يا أبا الحسن، نم قرير العين حتى تهب عليك رياح الجنة...تاجرت ذريتك في تجارة نادرة، فأوفت وأبلت بلاءً حسنًا يا أبا الحسن.“
“ سأذهب حالا يا سيدي، ولكنك رجل طيب وقد اطمأن لك قلبي، فقلت أسألك عما يحيرني. كان أبي رحمه الله يقول إننا مسلمون، ولكن الناس هنا يقولون إن المسلمين سيذهبون إلى النار. أذهب إلى القداس وأركع وأصلي للمسيح، ثم أذكر كلام أبي فأدعو إلى رب المسلمين، ثم أضطرب ولا أدري أيهما الرب الصحيح، فأدعوه لكي يساعدني.“
“ هل الماضي يمضي حقًا أم يُعرِّش على أيامنا، أم أننا نعيش كالبيت فيه؟“
““
قد يعجبك قرائتها ايضا